الخميس، 27 فبراير 2020

الذكرى السنوية لِجرح القلب الأول

أستيقظت وأنا اتخلبط في الأرجاء ، لستُ على هدى من أمري ! 
ما الأمر أذًا ؟! 
نظرتُ إلى هاتفي فأنصعقت برؤية التأريخ ، أنه تأريخ الشؤم  والفقد !
جدي العزيز هذه السنة ستكون ذكرى وفاتك السنوية بمثابة رسالة أبعثها لك بواسطة دعاء/بكاء/نظرة مليئة بكل المشاعر ..
لقد حدث في هذه السنة اشياء أكثر بكثير مما ترى العين ويصدّع لها الرأس ويذوب لها الفؤاد ، لا احدّثك عن ثلة من خيرة شبابنا قد رحلوا في غمضة عين للمطالبة بوطنٍ حر ! ولا أحدثك عن الـ الآف المؤلفة من جرحى ومعاقين للمدى مما بقي لديهم من حيواتهم الخالية من الوطن !
وسأغض البصر عن وباء العصر الذي هتك بمسامع الناس وجعلهم يهرعون مغمضي العيون للبقاء على قيد الفناء !
ولا أريد ان أؤلم قلبك بمرض جدتي وتدهور صحتها ، ولا أخفيك عن خبر إغتيال برهم ونجاته بأعجوبة ، كل هذه الأمور ستأخذ مني ردحًا من العمر وأنا أسردها عليك واحدًا تلو الاخر .
لكنني أريد أن أخبرك بشيء يثقل صدري ويعكر صفو فكري ، بأن الشوق إليك والإشتياق لرؤية وجهك لم يعد كافيًا ، تعدى الامر بأن اشتاقك ! دُلني عن مكان تواجدك ، مكان به بقايا منك حتى أحتضنها وأشمّ عبيقها .
أعلم بأن الاحلام لا تكذب ولا ليس اضغاث ايضًا وبأن مكانك هناك في الدار الأخرة ، مكان يليق بك وهذا ما تستحقه ، لكن ماذا عنّا يا جدي !
أعرف بأننا عندما نجتمع لا نذكرك او نكاد نتجاوز ذكرك ليس الا لسببٍ واحدًا فقط ، يعزُّ علينّا أن نلحق أسمّك بـ '' الله يرحمه '' ، لاننا ما زلنا نعلم علم اليقين بأنك لم ولن تمت يومًا ، وبأن مفردة الرحمة تجعل الانفس تضيق لانك حيٌّ بنا ،لا يمكن مجابهة الدموع ونحن في اثر ذكرك ،غالبًا ما تذكرك احدى خالاتي فـ ألتزم الصمّت ، لا شيء غير الصمّت أجيب به عنّك.
لا يمكن محو جلستك في وسط الباحة والشمس تضرب وجهك وانت متجهم وسيجارتك تدخن نفسها من أفكارك !
ولا يمكن ان يتبدل مكان مكوثك في غرفة الجلوس مهما حاولوا وضع أثاث بمكانه وغيروا ديكور الغرفة ، ذكراك باقية ومكانك المهيب ذاته ، احيانًا وأنا أدخل لغرفتك أكاد الاحظ '' دشداشتك البيضاء'' مُعلقة خلف الباب ، وعرگشينتك فوقها منسدلة كظفيرةٍ تستريح علىٰ ظهرِ مراهقة منكبة علىٰ واجبها المنزلي .
وأنا أنا لم اتغير كما تركتني قبل أحد عشرة عام ، لكن سوء طالعي وغضبي ومزاجي المتكدر في ازدياد ، ما زلت حمقاء شرسة ، فتى اكثر من كوني فتاة ، أرتدي البنطال الأسود الذي كلما رأيتني به نهيتني عن ارتداءه ، وأجيب بتحدٍ وشراسة بأنني أرتدي ما يعجبني فتغضب وتشد من أزرك وتنطق بمفردتك اللعوب وتجعلني أعود لأمي باكية طالبةً منها أن نعود الى المنزل الآن ، أتصدقني أن أخبرتك بأن الجينز الان '' البنطال '' لباسي المفضل ، في كل مكان وزمانٍ وفي حفلٍ وحزن .
ولأخبرك بسرٍ أخر بأنني كُلّ يوم وأنا أجهز نفسي للذهاب الى عملي او عندما كُنت طالبة ، عندما أرتدي الجينز أنظر للنفسي في المرآة ويصدح صوتك بكل قوة وتهجم بي ، فأبتسم وأقول لك في نفسي '' يُعجبني يا جدي ، يُعجبني جدًا '' ، أنت تعلم يأن كل ممنوع مرغوب ، لكنني أرغب في ارتداءه في المقام الاول لاستمع لصوتك وانت تنهيني عنه ، حتى لا ينعدم هذا الصوت ويبقى في ذاكرتي مهما حييت من بعدك ، حتى أنظر لنفسي في المرآة بتحدٍ وأخبرها '' حتى لا يضمحل الصوت ويموت'' 
وها انت الآن ياجدي ، بعد احدى عشر عامًا تعود لتقلب الموازين ولتجعل اليوم ضاجًا بذكرك والبكاء عليك ومليئًا بالرحمة والمغفرة لك ، ما زال هذا يوم التناقض في حياتي حيثُ أرثيك صباحًا وأحتفل بميلاد أختي الصُغرى مساءً ، آه لو تعلم كم كبرتُ ، هناك العديد من الاشياء التي اود اخبارها لك انت بالذات لا غير ، لو بقيت لفترة أطول ورأيت ما أصبحت عليه الآن ، لقمت بشتمّي أكثر وأكثر لأحفظ كلامك وصوتك في ذاكرتي بعيدًا عن النسيان ، عميقًا جدًا في أبعد مكان في قلبي لأحتفظت به هناك .
لأرأيت كم كبرت هذه الحمقاء ووضعت نفسها في مأزق واكثر من ذلك بسبب تصرفها على سجيتها ، لوبختها على عنادها ولباقة لسانها ومزاجيتها المفرطة ، لضربتها او يتهيأ لها ذلك بأن ستضربها عندما تفعل ما في رأسها وهي تعلم علم اليقين بأنه خطأ .
كثيرًا ما أتساءل لماذا رحلت مسرعًا أيها الفقد الاول ، ياجرح قلبي الازلي 
أعني كُلّ من رحلوا من بعدك كانوا يرسلون لنّا إشارات بأنهم سيرحلون إلا أنت فكرة رحيلك المفاجئ ما زالت تؤلمني وتؤرق فكري ،رحلت بدون تعبٍ أو مرض ، كعابر سبيل لم يتوقع أي أحد قدومه !
كُلمّا سمعت مفردة ( لو بـاقي ليلـة ) في أغنية او قصيدة اوحتى في كلام احدهم وهو يتكلم ، تأتي أنت في البال ، مهما انشغل البال بغيرك إلا انك ما زلت تتصدره وأسمك مقرونًا يهذه المفردة ، بمفردة الليلة الواحدة ، هل هذا لانك رحلت في ليلة واحدة ام ان روحك سافرت عند الساعة الواحدة !!

هذه التفاصيل ياجدي تتعبني ، تجعلني ألهث وأنا اعلم بان النهاية السرب ليس نهر ، وبأن نهاية الليل ليس نهار بل ليلاً اخر .أتعلم ماذا يعني لشخصٍ مليء بالذكريات والشظايا والناس الميتة ان يتذكرك في تفاصيل تجعل القلب يقرح ، كم تمنيت بانك لو بقيت لفترة اطول لتعلن انسحابك من الحياة ، حتى وان كان ذلك لـ ليلة واحدة ، سأخبرك بذكرى أخيرة تؤلمني  قبل أن أرسل رسالتي هذه ، إليك إينما كُنت !
الطريق الذي وضعوا جثمانك عليه في الخامسة فجرًا بعد ان نقلوك من دكة المغتسل وخالي ينادي عليه بصوت أجش ومجروح كطيرٍ حر وضعوه في قفصٍ مؤشراًا بـ سبابته نحو تابوتك الخشبي القديم ويصرخ بوجهي وصراخه كبكاء طفلٍ ويخبرني بانك انت ترقد هنا ، ولا يمكنك العودة ومخاطبتي او مخاطبته ! 
ما زلت اتحاشى المشي فيه واذا مررت به ، تهرع قدماي قبلي وتسرع من خطاها حتى لا تنفجع بتلك الذكرى التي كبرت معي وأصبحت الان توازيني بالطول والجرح وأشرس مني بالتذكير المؤلم .
أنهيت دموعي وانا انهي رسالتي هذه إليك ، لعلّي أنّام بسلامٍ هذه الليلة أيها الحي ذكراك فيني رغم موتي من زمان .
#فرح_الموسوي 
ذكرى الفقد العظيم 
#الفاتحة لطفًا

الذكرى السنوية لِجرح القلب الأول

أستيقظت وأنا اتخلبط في الأرجاء ، لستُ على هدى من أمري !  ما الأمر أذًا ؟!  نظرتُ إلى هاتفي فأنصعقت برؤية التأريخ ، أنه تأريخ الشؤم  وا...