الأحد، 3 نوفمبر 2019

لا شيء يجمعنّا سوى العراق

بدأت هذه الأفكار تلعب في مخيلتي منذ ليلة أمس ، حيثُ رأيت الجميع يتردد .. فقلت لم لا ؟ ماذا عني ؟ أعلم بأن الثمن باهض ، وبأن الشباب لن يعود لكن .. أليس هذا ما نريده في كل مكان عندما يدور الحديث عن الوطن .. نريدُ وطن ...
لم أنمّ طيلة الليل ما زالت هذهِ العادة تؤرقني عندما يكون لدي حدثٌ مهم لا يغفو لي جفنٌ ولا يمسح سلطان النوم على رأسي لتهدئة الأفكار قليلاً ..
نهضت قبل أن تُنادي أمي باسمي ؛ وقبل أن يرن منبه هاتفي   .. 
جلست على السرير أرى ماذا حل (بالعراق )خلال الليل بغيابي .. 
قرأت خبر إستشهاد صفاء السراي ، فانعصر قلبي . دائمًا هناك شهيدٌ واحدٌ مؤثر في كوكبة من الشهداء ، يجعلك تنتفض وتصرخ بوجه كل شي .. هذه المرّة كان شهيديّ المؤثر #صفاء_بن_ثنوة 
من الجرم أن يُقتل من لديه حب الحياة والوطن ، الموهبة والنعمة ، الذكاء والمنطق .. رسامٌ ، شاعرٌ وصاحب إبتسامة وديعة تبث الطمأنينة بالنفس .
عزفت عن الذهاب ؛ أخبرتهم بأنني لن أذهب .. 
سمعت كلامٌ من أمي يؤنبني بأنني سأخذل صديقاتي لأنني وعدتهن ، أختي من غرفتها تنادي وتزعق علي بألفاظ نابية حتى أجهز نفسي قبل فوات الآوان ..
بقيتُ جالسةٌ بمكاني ؛ لم يخطر ببالي أي شيء سوى مقطع قصيدة محمود درويش " أيّها الوطن المتكرر في المذابح والأغاني ، لمّاذا أهربك من مطارٍ الى مطار ، كالأفيون والحبر الأبيض وجهاز الأرسال ! " ... بقيت أحملق في الجدران والأسقف وأرددها بحسرةٍ ..
بعدها تذكرت أحمد مطر " نموت كي يحيا الوطن ؟يحيا لمّن ؟ لإبن زنى ؟!  نحنُ الوطن !" 
سألتني أمي ماذا الآن ؟ الوضع يا أماه بحاجةٍ ماسة لِ كوبٍ من الشاي الثقيل وسيجارة حتى أخفف عن ألم قلبي الحاد ..
سكبت لي أمي الشاي وقالت أسرعي صديقاتكِ على وشك القدوم ..
لن أذهب .. 
ونظرت .. نظرتها المليئة بالشك حيال كل شي يحدث خارج السيطرة بأنني منفعلة ومندفعة وراء  مشاعري وبأن كلامي غير منطقي .. 
عادت الكرة مرةً أخرى ، تهيأي إنهنّ على وشك القدوم ..
شربت الشاي وأنا أنفث الدخان والغضب وراء كل رشفة شاي أحتسيها   .. كان الغضب الأكبر موجهٌ للعراق ..
العراق بالذات لا غير  ، لأنه يعتاش على دماءنا الزاكيات .
طيلة الطريق أحدق في الشوارع وصور الشهداء .. وأناقش حول كيفية هذه المرة ايضًا ستكون بلا جدوى والثمن باهض .. 
سكت الجميع ما عدا توت ، كسرت الصمت وقالت نحنُ نعلم كما تعلمين بأن لا جدوى ، لكنها وقفة .. موقف لكل الشهداء الذين نزف دمائهم بدمٍ بارد ولا يعلم قاتلهم أي روحٍ أزهق ..
بهذه الكلمات المستهلكة ظهرت صورة #بن_ثنوة أمامي التي رأيتها هذا الصباح وهو يركض في ساحة التحرير .. وسكتت 
أخذنا الجسر نمشي ونضحك وكأننا مقبلون على حفلٌ للتعارف وليس للمطالبة بوطن .
عندما وصلنا لساحة العز والإباء وسمعنا النشيد الوطني ..
نظرت أليهن وهذه المرّة بفزع .. 
" مغص المعدة اللي يجينا قبل الامتحان من الخوف والرهبة ، من نواجه شخص أكبر منا ونحتاج جرأة وشجاعة ، من نشوف شخص نحبه ونبضات قلوبنا تتسارع  ، عندما يقبلّنا شخصنا المفضل ويراودنا الشعور ذاته ومغص المعدة ذاته ! " . گالن  إييه
" نفس الشعور هسّه راودني وأني أشوف العلم يرفرف وأسمع صوت الهتافات والنشيد ، ولكم هذا حب الوطن مثل لوثة العار ما تنغسل أبد لو يموت ألف شخص وما تنسي لو تنولد ألاف الأجيال بعدها  " ..
قضينا ما يقارب الثلاث ساعات ، بين طلاب وأساتذة ؛ أدباء ومفكرين ، مهندسين ومحامين ..
في النهاية وقبل أن نعود توّحدت الجموع بأكلمها للغناء مع " يا عراق ترجع شي أكيد بحيلك " .. والأيادي مرفوعة نحو الاعلى للتصفيق /للدعاء/ للتضرع لرب السمّاء حتى يجعل هذا البلد آمناً .
والعلم العراقي بكلمتيه كان هناك ، يرفرف معنا /معهم ..
أصابني الوطن في منتصف قلبي ، ها هنا للمرة المليون رغم إدعائي بأن شأنه لا يعنيني بعد الآن ..
 رغم نفوري من كوني أحبه حبًا جماً مهما فعل بنّا ..
بكيت عندما رأيت تلك الجموع 
والهتاف الموحد " الله أكبر " 
عُدّنا للمنزل بعد ساعات طويلة بين الشمس الحارقة والمشي المتعب والتصوير الفوتغرافي اللامحدود ..
أول ما سألتني أمي عنه عند دخولي المنزل 
كيف كان الوضع ؟ 
وكأنها تعلم ..
تمالكت نفسي في البداية 
لكن عندما سمعت " أنت وطنا الغالي " 
بكيت ..
أبتسمت أمي إبتسامة رضى .
كان الجميع يعلم ماهية العراق بالنسبة لنّا جميعاً  ؛ حتى أنا إلا أنني أغالب معرفتي به ، أتغابى عند سماعي هتافه ..
تلك المعرفة العميقة الدفينة التي لا يمكن الفرار منها ؛ أول درسٌ نتعلمه قبل ان نتعلم كيفية النطق " الأرواح فداءٌ للوطن ، لا غير " الوطن هو الأم / الاب / الحبيبة /الصديق .
لكنه تمكن مني في النهاية  ، أقصد نداء الوطن ، أو لربما منذ البدء تمكن مني لكنه كان يماطلني حتى يجعلني أدرك الى أي حد هو متشعب بي ودمي متشبعًا به وليس بالأوكسجين .
في النهاية المسألة مسألة وطن لأنها تعدت كونها مسألة حقوق وحياة حرة كريمة .
#فرح_الموسوي 
٣٠ أكتوبر ٢٠١٩
#ثورة_شعب
#العراق_ينتفض
#نازل_أخذ_حقي
#نريد_وطن 

الذكرى السنوية لِجرح القلب الأول

أستيقظت وأنا اتخلبط في الأرجاء ، لستُ على هدى من أمري !  ما الأمر أذًا ؟!  نظرتُ إلى هاتفي فأنصعقت برؤية التأريخ ، أنه تأريخ الشؤم  وا...